Friday Sermon – Khalifatul Masih V – Mirza Masroor Ahmad – Year 2016
تعقد بفضل الله تعالى الجماعُة الإسلامية الأحمدية في ألمانيا الجلسَة السنوية لثلاثة أيام وتبدأ اليوم من خطبة الجمعة هذه. قد وضع المسيح الموعود عليه السلام أساس الجلسة السنوية بأمر من الله تعالى لإصلاح أفراد الجماعة وأوشك أن تمضي 125 سنة على الجلسة السنوية الأولى.
إن الجلسة التي ُعقدت في قرية صغيرة كقاديان، وقطع 75 شخصا العهد في جزء من المسجد أنهم سيصلحون العالم وسينشرون رسالة الإسلام في الدنيا كونهم أنصار المسيح الموعود عليه السلام، نرى اليوم ثماره أن الله تعالى بارك بعملهم ونّياتهم لدرجة أن الجماعة الأحمدية في ألمانيا
تعقد اليوم جلستها في مجّمع كامل من المجّمعات الميّسرة هنا والمكّونة من القاعات الكبيرة التي تحيط بأرض واسعة، ومع وجود هذا المبنى الواسع ُنصبت الخيم لبعض الحاجات في العراء. لو نظرنا إلى الوسائل المادية فلا نستطيع أن نتحمل النفقات الهائلة لهذا الحد حتى اليوم أيضا،
ولكن الله تعالى يبارك بمال الجماعة بحيث يوِفقها لعقد الجلسة هنا. كما ذكرُت أن المسيح الموعود عليه السلام بدأ بهذه الجلسات بأمر من الله تعالى وكانت الغاية المتوخاة منها أن يصلح أفراُد الجماعة أنفسهم، ويسعوا لتقّربهم إلى الله تعالى، ويزدادوا علما ومعرفة، ويحدثوا تغييرات حسنة ويجعلوها جزءا لا يتجّزأ من حياتهم، ويتجنبوا أهواء الدنيا ولغوها، ويتعّهدوا لنشر رسالة الإسلام والأحمدية إلى العالم ببذل جميع جهودهم
وقدراتهم، ويقّووا علاقة الحب والوداد والإخاء فيما بينهم. ولقد أوفى السابقون بهذا العهد حق الإيفاء، وبارك الله تعالى في جلساِت قرية صغيرة كقاديان لدرجة أنه ُتعقد اليوم جلسات على الغرار نفسه في جميع بلدان العالم التي قامت فيها الجماعة. وهدف هذه الجلسات هو نفسه الذي بّينه المسيح الموعود عليه السلام والذي قد بّينُته آنفا باختصار.
إذا اجتمعنا اليوم هنا لهذا الهدف فإننا محظوظون لأننا سنرث أفضال الله تعالى، أما إذا اجتمعنا هنا بتصّور مهرجان، أو إذا كان أحد منا يتصّور ذلك فإنه من سوء حظه إذ قال الله تعالى له بأن يجتمع لهدف نبيل، ولذلك قد اجتمعنا، ولكنه بدل تحقيق الأهداف الصالحة ينشغل بالأمور الدنيوية.
لذا يجب على كل أحمدي أن يتذّكر أن ينقطع عن الدنيا كليا في هذه الأيام الثلاثة، ويذهب من هنا بعد الجلسة متعهدا بأنه سيستمر في كسب الحسنات رغم عيشه في الدنيا وانشغاله بالأعمال الدنيوية مثل الوظيفة والتجارة لأنها أيضا ضرورية. وذلك لكي تستمروا في جذب أفضال الله التي نزلت عليكم هنا.
عليكم أن تستمروا في ذكر الله تعالى بجانب الصلوات المكتوبة والنوافل، لأن ذكر الله يتسبب في طهارة الأفكار ويتوّجه المرء إلى الله تعالى ويتجنب السيئات، وهذا هو هدف العبادة، والذكر الإلهي يذّكر المرء بالعبادة المفروضة، وإذا كانت عبادُته عبادًة حقيقيًة فيظّل يتوّجه إلى ذكر الله تعالى بسببها. يجب أن يتذكر الجميع هذا الأمر.
هناك ركن من العبادات الإسلامية أداؤه ليس فرضا على كل مسلم في كل حالة ولكن مع ذلك يؤّديه ملايين المسلمين كل سنة، وهي فريضة حج بيت الله. وسوف يؤّديها المسلمون بعد بضعة أيام. وحيث عّلم الله تعالى المسلمين من خلال الحج
أن يتوّجهوا إلى الله تعالى كّليا في هذه الأيام وإلا لن تتحقق الغاية المتوخاة من الحّج، كذلك وّجهنا إلى أن التجّمع يتسبب في بعض السيئات أيضا، ومع أن الحج يخلق جوا روحانيا وُيتوقع من الجميع ألا يتوجهوا بسبب هذا الجو الطاهر إلى أي شيء آخر غير ذكر الله وتسبيحه وتحميده،
ولكن الله تعالى الذي يعلم بفطرة الإنسان وّجه إلى ثلاث سيئات أيضا بهذه المناسبة وأكد على اجتنابها. لذا مهما كانت البيئة طاهرة فعلى المرء أن يعكف على الدعاء دوما للحماية من هجمات الشيطان وينتبَه لذلك. السيئة الأولى من السيئات الثلاث التي وّجه الله تعالى الحجاج إليها هي الرفُث،
ويراد منه عموما الأمور الشهوانية، ولكنه يشمل أيضا معنى الكلام القبيح، والسب والشتم، والأحاديث البذيئة الفاحشة وسرد القصص الفاحشة واللغو في الكلام والثرثرة وعقد مجالس القيل والقال. إًذا، منع تعالى هنا من كل أنواع اللغو والثرثرة والخوض في الأحاديث وعقد مجالس القيل والقال.
لا يظنن أحد أنه لا يمكن أن يرتكب أحد هذه الأشياء أثناء الحج، لأنه يتوّقع من كل َمن يذهب للحج أنه يضحي لله بكل شيء. يقول المصلح الموعود رضي الله عنه: عندما ذهبُت للحج فكان شاٌب يطوف الكعبة بجانبي،
وكان بدلا من ترديد الأدعية وذكر الله كان ُينشد أغاني الافلام لأنه كان قد ذهب من الهند، فقلُت له: ماذا تفعل؟ فقال: لا أعرف شيئا من الأدعية التي ُيدعى بها في الحج، إننا تّجار وعندنا محل كبير في كالكوته ومقابل محّلنا هناك محل كبير آخر لتجار كبار،
حّج أحدهم بيت الله وكتب مع اسمه “الحاج” على اللافتة في واجهة محله، ولذلك توّجه الناس إليه أكثر لظنهم أنه محل الحاّج فلا بد أنه يبيع سلعة جيدة. فقال لي والدي: لا أستطيع أن أذهب للحج بسبب مرضي
أو لِكَبر سّني، مهما كان السبب، فعليك أن تحج لكي نضع نحن أيضا لافتة مثلهم. فهذا هو الهدف من أدائي الحّج، إنني أحّج لتزدهر تجارتي. إذا كان الناس يحجون بهذه الأفكار فما بالك عن حضورهم في عبادة أو جلسة أخرى. ثم قال الله تعالى: لا فسوق في أيام الحج. أي لا تخرجوا عن الطاعة،
واعملوا بأحكام الله تعالى وتمسكوا بدرب الحسنات ولا تميلوا إلى السيئات. ثم يقول الله تعالى: عليكم أن تتجّنبوا الجدال أيضا في أيام الحج، أْي اجتنبوا جميع أنواع الجدال والشجار. قال المصلح الموعود رضي الله عنه في مناسبة: إذا حضر الناس جلساتنا أيضا
بالتفكير أنهم يجتنبون السيئات التي ذكرها الله عن الحّج فذلك سيؤّدي إلى الإصلاح غير العادي. لا شك أن قول المصلح الموعود رضي الله عنه هذا أساسي وجوهري للإصلاح، ولكننا لا نقول بأن الجلسة تساوي الحج، حاشا لله، كما بدأ يّتهمنا بعض غير الأحمديين في هذه الأيام
أننا نذهب إلى قاديان للحج، هذا باطل تماما. ولكن الله تعالى بّين هنا مبدأ الرقي الديني والإصلاح أنه حيثما تتجّمعون وتعقدون اجتماعات كبيرة لا بد أن تراعوا هناك هذه الأشياء. وإذا انتبهنا لهذه الأمور في الجلسات التي ُتعقد للرقي الديني وللإصلاح فلا بد أن يرتفع مستوانا في الإصلاح. إن الجلسة ليست عبادة ولكنها ورشة تربيٍة
حتما بدأت للرقي في الروحانية، وإذا قمتم فيها بأعمال مثل الكلام القبيح، والسب والشتم، وسرد القصص الفاحشة فلا يتحقق الهدف، لذا عليكم أن تجتنبوا هذه الأمور. وإذا اجتنبتم اللغو في القول والقيل والقال فهذا يتسبب حتما في خلق جو مريح آمن يسهل فيه كسب الحسنات ويتحقق هدف الجلسة.
ثم لا بد من اجتناب الفسوق الذي هو معصية الله والخروج عن طاعته، ومن الضروري جدا أن نلتزم بطاعة الله تعالى إذ قد أتينا للهدف الديني المحض. فالحاصل أنه من واجبنا أن نطّبق تعليم القرآن الكريم على أنفسنا ونؤدي حق عبادة الله تعالى،
ونعمل بباقي أحكامه تعالى أيضا.ثم أمَر تعالى باجتناب الأعمال التي تؤدي إلى قطع العلاقات المتبادلة، فتبقى هذه العلاقات مقطوعة لسنوات طويلة وتستمر النـزاعات. الأهداف من عقد الجلسة التي بّينها المسيح الموعود عليه السلام تدور حول هذه الأمور الثلاثة،
أي أن نجد فرصة لإصلاح أنفسنا، ونجتنب اللغو ونتوجه إلى الله تعالى ونرّكز على العمل بأوامر الله بالطاعة الكاملة وأن نوّطد علاقات الأخوة والحب الخالص مع إخوتنا وأن نقضي على الأنانية والنـزاعات كلها. ولقد رأى المسيح الموعود عليه السلام في إحدى السنوات أن الناس لا يرّكزون على أداء حقوقهم
المتبادلة وغلبتهم الأنانية وتحدث النـزاعات والنقاشات الحادة على أتفه الأمور، فلم يعقد الجلسة في تلك السنة. إًذا، يجب على جميع المشتركين في الجلسة أن يرّكزوا في هذه الأيام بوجه خاص على إصلاح النفس حتى في أمور بسيطة ويحققوا الهدف من الجلسة ويستمعوا إلى الخطب بدلا من إضاعة الوقت في التجوال هنا وهناك.
لا يسع أحدا أن يقول بأنه عالم كبير، بل مهما كان المرء عالما، يجد في كل محاضرة أمورا من شأنها أن تساعده على الإصلاح والِبّر، لذا يجب أن يستمعوا إليها بتركيز ويسعوا لرفع مستوى روحانيتهم لأداء حق عبادة الله ويتوّجهوا إلى أداء حقوق العباد أيضا. إًذا،
لا مجال للشجار أو الجدال في أيام الجلسة، بمعنى أنه يجب اجتناب النـزاع والجدال لنيل البركات الحقيقية من الجلسة، بل الحق أن الذين تجري بينهم النـزاعات والخصومات منذ مدة يجب أن يتركوها ويتسابقوا للصلح بينهم نابذين نزاعاتهم وأنانيتهم لينالوا نصيبا من أدعية المسيح الموعود عليه السلام
وينالوا بركات الجلسة على وجه الحقيقة. أعلم أن النـزاعات تطل برأسها بين بعض الناس بسبب اختلافاتهم القديمة في أيام الجلسة كل عام، ويتشاجر بعضهم فيما بينهم، إذ ِكلا الفريقين يكون موجودا في الجلسة ويواجهون أحيانا بعضهم لأن الأحمديين يحضرون الجلسة
على أية حال فلا يمكننا أن نمنع أحدا من الحضور في الجلسة. فعندما يتواجه الفريقان اللذان بينهما نزاع، تعبس النساء والرجال أيضا عندما يرون خصومهم. كما ُيطلق بعض الناس كلاما نابيا بحق خصمهم من بعيد ماّرين في الطريق، ويتظاهرون بأنهم لا يقصدون بهذا الكلام خصمهم.
مع أنهم يقولون ذلك لاستفزاز الخصم قصدا منهم، ويكون الفريق الثاني منـزعجا منهم مسبقا فيوّجه إليهم كلاما غير مناسب مستشيطا غضبا. وهكذا يخرجون من طاعة الله نتيجة سلوك لغو، فيصل الأمر أحيانا إلى الشجار بينهم. وإن لم يكن المرء قادرا على التحكم في عواطفه
فالأفضل له أن يخرج من أجواء الجلسة بنفسه ولا يشترك فيها. معلوم أن عدد أناس من هذا القبيل لا يربو على شخص أو شخصين يسيئان إلى سمعة الجماعة، ويصبحان محل غضب الله بدلا من نيل رضا الله تعالى باشتراكهما في الجلسة. هل يمكن أن يحب الله تعالى أن يعيث المؤمنون- الذين يجتمعون لهدف نبيل-
فتنة وفسادا بدلا من تقدمهم الروحاني وتحقيق أهداف نبيلة؟ فلما ذكر الله تعالى المفلحين ذكر أيضا المصّليَن بتواضع والمعرضين عن اللغو أيضا، فقال تعالى: {َقْد َأْفَلَح اْلُمْؤِمُنوَن * اَلِذيَن ُهْم ِفي َصَلاِتِهْم َخاِشُعوَن * َواَلِذيَن ُهْم َعِن الَلْغِو ُمْعِرُضوَن} باختصار، قد جئتم إلى هنا بهدف نبيل. معلوم أن جميع الناس يؤدون الصلوات،
فيقول الله تعالى أنه يجب أن تصّلوا بكامل التواضع، ومطيعين الله طاعة كاملة، ويجب ألا تكون صلاتكم صلاة ظاهرية فقط، بل من أهداف الصلاة بالجماعة أن تنشأ فيكم الوحدة وتخضعوا لله كجسد واحد حتى تتسرب روحانيتكم وحسناتكم إلى بعضكم بعضا. فأداؤكم الصلوات بكامل التواضع
وخضوعكم أمام الله خالصة له سيؤثر فيمن دونكم درجًة وفي الواقفين بجنبكم في الصلاة. يقول الله تعالى أنه لن يتحقق هذا الهدف إلا إذا صّليتم مطيعين الله طاعة كاملة وبتواضع كامل. يكتب إلي كثير من الإخوة بأنهم يستمتعون كثيرا بالصلاة بالخشوع أياَم الجلسة،
فعلى الجميع أن يسعوا جاهدين لنيل هذه المتعة ليكونوا من المؤمنين المفلحين والناجحين. ولكن الله تعالى قد بّين وسائل مختلفة لنيل الفلاح والنجاح، وقال بأن الفلاح الحقيقي والكامل ُينال نتيجة السلوك على هذا المسلك. وكما يتبين من الآيات التي تلوتها أن الوسيلة الثانية
التي بينها الله تعالى لهذا الغرض هو الإعراض عن اللغو. فعلى كل أحمدي أن ينتبه إلى هذا الأمر جيدا في أيام الجلسة وبعدها أيضا باستمرار.يقول الخليفة الأول للمسيح الموعود عليه السلام في شرح كلمة “اللغو” أنها تشمل أشياء كثيرة بما فيها الكذب بكل أنواعه، ولعب الأوراق،
والقمار والقيل والقال، الطعن في الأخرين وما إلى ذلك. لقد ضرب رضي الله عنه مثل لعب الأوراق والقمار، وهذا يذّكرني بصورة ُأرسلت عبر الواتس، يتبين منها أن هناك أناسا لا تؤثر فيهم البيئة الطيبة ولا الأماكن المقدسة. لقد ذكرُت قبل قليل شخصا ذهب للحج،
أما الصورة التي أريد ذكرها كانت من شخص معتكف في مسجد حيث كان الآخرون يقرأون القرآن الكريم أو يقرأون كتبا أخرى مثل كتب الحديث أو ما شابهها، وكان ِمن بين الموجودين في تلك الأجواء الطيبة في المسجد َمن يلعبون الأوراق. وقد عّلق مرِسل هذه الصورة أن لاعبي الأوراق هؤلاء
كانوا يلعبونها في المسجد النبوي. هذا ما آلت إليه حالة بعض الناس إذ لا يرتدعون عن اللغو في أماكن العبادة أيضا، ولكنهم مع ذلك مسلمون أقوياء، أما الأحمديون فهم كفار في نظرهم. الحق أن هؤلاء الناس يستهزئون بالله عمليا، فمن أظلم منهم؟ هذا ما نشاهده من سلوك الأغيار،
وعلينا أن نتعلم منه درسا حتى لا ينشأ مثل هذا السلوك فينا. وإلى جانب ذلك يجب أن نشكر الله تعالى على أنه وّفقنا للإيمان بإمام الزمان الذي وّجهنا مرارا وتكرارا إلى اجتناب اللغو. يقول المسيح الموعود عليه السلام في ذكر اللغو أن المؤمنين الناجين هم الذين يجتنبون اللغو في أعمالهم
وكلامهم من حيث المجلس والصحبة والحماس. إًذا، فقد أشار المسيح الموعود عليه السلام إلى مواطن اللغو كلها. كل هذه الأمور التي ذكرها المسيح الموعود عليه السلام مرتبطة ببعضها، بمعنى أن لغوا يقود إلى لغو آخر. وإذا تأملنا في الموضوع لوجدنا أن لغو الأعمال والكلام يصدر من الذين يجلسون في مجالس اللغو ويجالسون المنهمكين في اللغو.
فإن أعمال اللغو تصدر من المرء نتيجة مجالسة المنهمكين في اللغو وإنشاء العلاقات معهم وبسبب حماس لغو، وبالنتيجة يثور المرء ويستشيط غضبا على أتفه الأمور. لقد ذكرُت لاعبي الورق في أثناء الاعتكاف في المسجد، إذ كانوا معتكفين ظاهريا ولكنهم في الحقيقة ارتكبوا اللغو بدلا من تحقيق الهدف الحقيقي من العبادة. والذين يجالسونهم يصبحون مثلهم فتفسد
أعمالهم وإن كانوا جالسين في المسجد. أما أنتم الذين حضرتم هذه الجلسة فيجب أن ُتحدثوا في أنفسكم تغّيرا طيبا بحيث لا يجتنب جلساؤنا اللغو في أيام الجلسة فقط بل في أيام أخرى أيضا، ويجب أن تكون مجالسنا مصداق: “لا يشقى جليسهم” وينال جلساؤنا قبولا في حضرة الله.
يجب أن نتحلى بأخلاق سامية وأن يكون مستوى صدقنا رفيعا جدا حتى ُيحدث الآخرون أيضا تغييرات حسنة في أنفسهم نظرا إلى سلوكنا وأعمالنا. يقول المسيح الموعود عليه السلام ناصحا إيانا: هناك أمر آخر أيضا يجب على أفراد جماعتنا أن يلتزموا به وهو أن ينـِزهوا اللسان عن لغو الكلام.
اللسان بوابة وجود الله، وكأن الله يحل بوجود المرء نتيجة تطهير اللسان. فلما وصل الله إلى البوابة فأّي غرابة إذا دخل البيت؟ (المراد من المدخل هنا البوابة الرئيسة لبيت، أي إذا جاء الله تعالى قرب بوابة البيت فلا غرابة أن يدخله)
ويتابع عليه السلام ويقول: إن مجيئه إلى الداخل ليس بمستبعد. أي لا غرابة في أن يأتي إلى الداخل. فالذين يجتنبون اللغو ويتحلون بحسن الأخلاق ويتكلمون بكلام لطيف هين يصبح الله قريًبا منهم بحيث لو داوموا على الحسنات تفضل عليهم واختارهم لنفسه. فدخول الله تعالى في البيت
إنما يعني أنه يختار عبده، وإذا اختار الله عبده وفقه للتقدم في العبادات والصالحات. إن الصالحات تنتج المزيد من الصالحات وتفتح المزيد من سبل قرب الله تعالى. وكما أسلفت آنفا، فإننا قد جئنا هنا لنحظى بمرضاة الله تعالى ولنحدث في أنفسنا تغييرات طيبة،
ولكن اعلموا أن غايتنا هذه لا تتحقق بمجرد الاستمتاع الِعلمي بسماع خطب الخطباء هنا، إنما تتحقق بإحداث تغيير حالتنا الَعملية. والتغيير الَعملي يتطلب منا أداء حق الله بالقيام بالعبادات وأيضا بأداء حقوق إخواننا متحلين بالأخلاق السامية ومجتنبين اللغو من الأمور.
هناك حاجة ماسة للعناية بهذا الأمر. إن الله تعالى قد من علينا بستره علينا فلا يَدع أخطاءنا وتقصيراتنا تظهر للأغيار، وإلا فلو أن كل واحد منا فحص نفسه لأدرك كم نحن مخطئون ومقصرون نظًرا إلى المعيار الذي وضعه لنا سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. وهذه التقصيرات يمكن أن تتسبب في الإساءة
إلى الجماعة وإلى المسيح الموعود عليه السلام، ومن أجل ذلك قد نصح عليه السلام جماعته وقال: “لا تشوهوا سمعتي بعد الانتماء إلّي.” فإذا لم تكن عباداتنا عالية المستوى فإننا نتسبب في الإساءة إلى المسيح الموعود عليه السلام. وإذا لم تكن أخلاقنا حسنة فإننا نتسبب في تشويه سمعته عليه السلام.
وإذا وقعنا في اللغو من القول والفعل فإننا نتسبب في تلطيخ سمعته عليه السلام. فهذه مسئولية كبيرة قد وقعت على عواتقنا نحن المسلمين الأحمديين، لذا فهناك حاجة ماسة لأن نفحص سلوكنا دوما. لقد قال المسيح الموعود عليه السلام مرة: إن الذي يريد الحفاظ على الإيمان عليه أن يتقدم في الأعمال الصالحة. هذه أمور روحانية،
والأعمال تترك تأثيرها على العقائد. فالقول بأني مسلم أحمدي قوي من حيث العقيدة لا يكفي بدون القيام بالأعمال الصالحة والتحلي بالأخلاق العالية، ذلك أن التقصير التدريجي في القيام بالأعمال الصالحة يؤدي إلى ضعف الإيمان أيضا. ثم يقول المسيح الموعود عليه السلام وهو يحث على الصلاة: أّدوا الصلوات بحرقة والتياع
وَأكِثروا فيها الدعاء. لذا فاسعوا في هذه الأيام بل دائما لأداء الصلوات بحرقة ولوعة لكي تتوثق صلتكم بالله تعالى، إذ ليس الهدف الحقيقي المنشود من حضور هذه الجلسات إلا أن نتطور روحانيا. ثم يقول المسيح الموعود عليه السلام وهو يذكرنا بضرورة حسن معاملة بعضنا بعضا
ومراعاة مشاعر الآخرين: كما تعاملون أولادكم بالرفق والحلم واللين كذلك يجب أن تعاملوا إخوانكم. من لم يكن دمث الأخلاق أخاف عليه ضياع الإيمان، لأن فيه جذر الكبر. المتكبر لا يمكن أن يواسي غيَره مواساة حقيقية. لا تحصروا مواساتكم في المسلمين فقط، بل واسوا الجميَع، مسلًما كان أو غير مسلم.
إن الله تعالى رب الجميع، وليس رَب المسلمين فقط. (أي أن الله تعالى رب كل إنسان أًيا كان وأيا كان دينه) غير أنه يجب مواساة المسلمين خاصة. (أي عليكم مواساة الجميع كونهم بحكم قرابة الإنسانية، ولكن واسوا المسلمين خاصة) ثم واسوا المتقين الصالحين بشكل أخص فهذه هذه النصائح التي يمكن أن تجعلنا قادرين على إحداث تغير روحاني فينا. إذا تحلى بعضنا بمشاعر المواساة تجاه الآخر، ونفضنا الكبر من قلوبنا، وتكلم بعضنا مع الآخر برفق ولطف وحب كما نتكلم مع أولادنا، سوف نجتنب عندها كل تلك الخصومات والجدالات
التي توِقعنا في الابتلاءات أحيانا. وكما قلت آنًفا، إن بعض تلك الخصومات تطل برأسها أحيانا هنا في الجلسة أيضا. لذا أكرر قولي إن الغاية من اجتماعنا هنا إنما هو تطوير أنفسنا روحانيا وَعمليا، وهذه الغاية لن تتحقق إلا إذا رّكزنا على أداء حقوق الله وحقوق عباده وسعينا لذلك سعيا خاصا.
لذا فيجب أن تعيروا هذا الأمر عناية كبيرة في هذه الأيام. وفق الله كل واحد منا لذلك.آمين عليكم أن تتعاونوا مع منّظمي الجلسة تعاونا تاما. وإذا تأخرتم حيًنا عند المداخل بسبب أعمال التفتيش بسبب الظروف السائدة في هذه الأيام فاصبروا. عليكم التحلي بالصبر والهمة،
وتعاونوا حق التعاون مع هؤلاء الكثيرين الذين قد تطوعوا للخدمة في الجلسة، ذكورا وإناثا وأطفالا وبنات، ولا تنظروا إلى سن أحد منهم، بل رّكزوا على أنه يأمركم بشيء بحكم مسئوليته ولا بد لكم من العمل بما يعطيكم من تعليمات. وادعوا لهؤلاء المتطوعين كثيرا بأن يوفقهم الله تعالى لأداء مسئولياتهم على ما يرام. آمين.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا للاستفاضة من فيوض الجلسة حقا، وأن نرث أدعية المسيح الموعود عليه السلام فعلا، آمين.